“معلومات الوزراء” يحلل أبرز فوائد الذكاء الاصطناعى فى مواجهة تغيرات المناخ
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله سبل تطوير الذكاء الاصطناعي للمساعدة في مواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي والأدوات المستخدمة في ذلك، والفوائد التي يوفرها هذا الاستخدام، والتأثيرات السلبية لاستخدامه في أزمة المناخ، بالإضافة إلى أبرز المبادرات والمقترحات لتسخير الذكاء الاصطناعي لأجل مستقبل أكثر استدامة.
أشار المركز إلى أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (AI)، شهدت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الابتكارات والتطورات والتي أصبحت بمثابة قوة دافعة وراء تعزيز الكفاءة والإنتاجية في العديد من المجالات، مثل الرعاية الصحية، والصناعة، والنقل، والزراعة، والتعليم، وغيرها من المجالات، وذلك من خلال أتمتة المهام المتكررة، وتحسين الكفاءة والإنتاجية، وتعزيز عملية صنع القرار من خلال تحليل البيانات.
وفي إطار ذلك، تم العمل على تطوير الذكاء الاصطناعي للمساعدة في مواجهة التحديات العالمية، ومن بينها التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، بما له من تأثير كارثي في الكائنات الحية، بما في ذلك البشر والنباتات والحيوانات، إضافة إلى تدمير السلسلة الغذائية والموارد الاقتصادية.
ومن هنا، ظهرت مساعي توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المساهمة بالجهود الرامية للتكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره، وهو ما تزامن مع تحذيرات بعض العلماء من مخاطر الذكاء الاصطناعي على وتيرة أزمة المناخ، مؤكدين أنه أصبح سلاحًا ذا حدين، الأمر الذي يجعل من الأهمية محاولة الوقوف على طبيعة دور الذكاء الاصطناعي في مواجهة التغير المناخي وتبعاته، للتعرف على حدود هذا الدور، والوصول إلى كيفية التوظيف الأمثل لتلك التكنولوجيا.
وأشار التحليل إلى أن معالجة التغير المناخي تعد مجالًا مهمًّا يتمتع فيه الذكاء الاصطناعي بإمكانات وقدرات هائلة، ووفقًا للتقرير الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي” (The World Economic Forum)، في يناير 2024، حول التقنيات الناشئة، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الشبكات الذكية، والزراعة الدقيقة، والتنبؤات المناخية تشكل أهمية بالغة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وإدارة التأثيرات البيئية، إضافة إلى مراقبة إزالة الغابات وتتبع الحياة البرية، مما يساعد في جهود الحفاظ على البيئة. ومن ثم يمكن استثمار أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة في مواجهة التغير المناخي في العديد من المجالات ومنها:
-جهود الحفاظ على البيئة: فالبيانات المناخية ضخمة وتستغرق وقتًا طويلًا في التحليل، لكن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يزيد من سرعة التنبؤ بالتغيرات البيئية، كما أنه قادر على سد فجوة البيانات وتشغيل بيانات الرصد واسعة النطاق، الأمر الذي يعزز جهود وخطى التخفيف الاستباقية، ومن أبرز التطبيقات على ذلك:
1- الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال مراقبة الحياة البرية والمساعدة في اكتشاف التغيرات في أعداد الحيوانات، وأنماط الهجرة، وتأثيرات التغير المناخي، وذلك للمساعدة في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تخصيص الموارد، واستراتيجيات الحماية.
2- رسم خرائط إزالة الغابات، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية والخبرة البيئية لرسم خريطة لتأثير إزالة الغابات في أزمة المناخ، من خلال قياس معدلات إزالة الغابات وكمية الكربون المخزنة في الغابة.
3- متابعة الجبال الجليدية، حيث تم تدريب الذكاء الاصطناعي على قياس التغيرات في الجبال الجليدية بمعدل أسرع بـ 10 آلاف مرة من قدرة الإنسان، وهو ما يساعد العلماء على فهم مقدار المياه الذائبة التي تطلقها الجبال الجليدية في المحيط، وهي عملية تتسارع مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي بسبب التغير المناخي.
-إعادة تدوير النفايات: يساعد الذكاء الاصطناعي في معالجة التغير المناخي من خلال جعل إدارة النفايات أكثر كفاءة؛ حيث تعد النفايات منتجًا رئيسًا لغاز الميثان، وهي مسؤولة عن 16% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وفقًا لـ “وكالة حماية البيئة الأمريكية”. كما يعمل الباحثون على تطوير أنظمة ذكية لإدارة النفايات لجمع وتحديد وتوصيف المواد العضوية في النفايات غير القابلة لإعادة التدوير، لتحديد خواصها الفيزيائية والكيميائية والحرارية والبيولوجية، في إطار التمييز بشكل أكبر بين العناصر أثناء فحصها.
-تنظيف المحيطات: يساهم التلوث البلاستيكي في التغير المناخي من خلال انبعاث الغازات الدفيئة والإضرار بالطبيعة، ومن ثم فإن الذكاء الاصطناعي يساعد على إنشاء خرائط تفصيلية لنفايات المحيطات في المواقع النائية، ويمكن بعد ذلك جمع نفايات المحيط وإزالتها، وهو أمر أكثر كفاءة من طرق التنظيف السابقة باستخدام سفن الصيد والطائرات.
-إزالة الكربون من الصناعة: يولد قطاع الصناعة حول العالم نحو 30% من انبعاثات الغازات الدفيئة، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الشركات في صناعات التعدين والنفط والغاز على إزالة الكربون من عملياتها، إضافة إلى تتبع وتقليل انبعاثاتها بنسبة 20-30%.
-الزراعة الدقيقة أو الزراعة الذكية: يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في ممارسات الزراعة المستدامة من خلال تحليل بيانات التربة، والتنبؤ بإنتاجية المحاصيل، والتعرف على مدى تفشي الآفات والأمراض، وهو ما يساعد على استخدام الموارد مثل المياه والأسمدة والمبيدات الحشرية، ومن خلال تحليل البيانات المستمدة من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، يمكن للمزارعين اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات لتقليل النفايات، وزيادة الغلة.
-إدارة المياه: إحدى الطرق التي يتم من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المياه هي مراقبة وتحليل بيانات دورة المياه، وذلك للتحقق من جودة المياه، وتحديد المشكلات المحتملة، إضافة للتنبؤ بالطلب على المياه وتحسين إمدادات المياه، الأمر الذي يساعد على تقليل هدر المياه وضمان تلبية الطلب على المياه بشكل فعَّال، ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا تحسين كفاءة إمدادات المياه.
-النماذج المناخية: توقعات نماذج المناخ العالمية هي عمليات محاكاة للأرض على مستوى الكوكب والتي تعد المصدر الرئيس للمعلومات حول التغير المناخي في المستقبل، وتستهدف تمثيل العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية الرئيسة لمناخ الأرض، وتتمتع تقنيات التعلم الآلي بالقدرة على جعل النماذج المناخية أفضل وأسرع، مع تقليل استهلاكها العالي للطاقة، ما يسمح لعلماء المناخ بوضع نماذج لأنماط المناخ والتنبؤ بها، مما يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للتخفيف والتكيف.
وأضاف التحليل أن جميع ما سبق، يعد بمثابة أمثلة قليلة لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي للمساعدة في معالجة التغير المناخي، ومن ثم فالاعتماد على تلك التقنيات أمر ضروري وحتمي لكي يستطيع العالم تجنب أخطر سيناريوهات التغير المناخي، فكثير من العلماء والتقنيين في جميع أنحاء العالم يسعون إلى تحقيق مزيد من الإنجازات في مجال التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، من خلال الابتكارات العلمية الجديدة للذكاء الاصطناعي، وذلك فيما يتساءل البعض عن التكلفة التي يمكن أن يدفعها العالم لتحقيق ذلك.
أوضح التحليل أنه في حين يقدم الذكاء الاصطناعي حلولًا مبتكرة لإدارة أزمة التغير المناخي وتعزيز الاستدامة، فإنه قد يساهم أيضًا بشكل كبير في تفاقم المشكلة، حتى إن البعض يرى فيه عبئًا على كوكب الأرض، وفي حين أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساهم أيضًا في توفير كثير من الحلول لمعالجة أزمة المناخ، فإن تنفيذ تلك الحلول والعمل على تشغيل تلك التقنيات يمكن أن يكون له تحديات وآثار بيئية، ومن بين تلك المخاوف:
-استهلاك الطاقة: حيث تتطلب تقنيات الذكاء الاصطناعي قوة حسابية كبيرة، مما يترجم إلى استهلاك مرتفع للطاقة؛ حيث تستهلك مراكز البيانات التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الكهرباء، والتي لا تزال تتولد من الوقود الأحفوري مما يؤدي إلى ارتفاع انبعاثات الكربون، مما يزيد من تفاقم أزمة المناخ. وتقدر “وكالة الطاقة الدولية” أن استخدام الطاقة من مراكز البيانات سوف يتضاعف خلال عامي 2025 و2026. واتصالًا، تشير دراسة أجراها معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا إلى أن تدريب نموذج معقد واحد من الذكاء الاصطناعي يمكن أن يولد ما يقرب من خمسة أضعاف انبعاثات الكربون لسيارة واحدة، أو 17 ضعف الانبعاثات التي يصدرها المواطن الأمريكي العادي على مدار عام.
-الأثر البيئي لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي: يعتمد الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على مراكز البيانات للتخزين والمعالجة، والتي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء وتتطلب موارد مائية كبيرة لأغراض التبريد، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم العبء البيئي، لا سيما في المناطق التي تواجه بالفعل ندرة المياه. وغالبًا ما تؤدي البنية التحتية لمراكز البيانات هذه إلى تغييرات في استخدام الأراضي وتعطيل الموائل، مما يزيد من التأثير البيئي، وفي المناطق ذات الموارد المحدودة، يمكن أن يؤدي الطلب الإضافي من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى صراعات حول المياه والطاقة، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى حلول أكثر استدامة وإنصافًا.
-النفايات الإلكترونية: ويرتبط ذلك بتقادم الأجهزة؛ حيث يمكن أن تؤدي الوتيرة السريعة لتطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي إلى استبدال متكرر للخوادم ووحدات معالجة الرسومات والمكونات الأخرى، مما يساهم في زيادة النفايات الإلكترونية، التي تحتوي على مواد كيميائية خطرة، بما في ذلك الرصاص والزئبق والكادميوم، ويمكن أن تلوث التربة وإمدادات المياه وتعرض صحة الإنسان والبيئة للخطر. ويتوقع “المنتدى الاقتصادي العالمي” أن يتجاوز إجمالي كمية النفايات الإلكترونية المتولدة 120 مليون طن متري، بحلول عام 2050.
-البصمة الكربونية المصاحبة لتطوير الذكاء الاصطناعي: فزيادة انبعاثات الكربون بلا شك تعمل على إسراع وتيرة التغير المناخي، ولسوء الحظ، فإن البيانات التي توثق البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي نادرة أو غير موجودة؛ حيث لا تتمتع شركات الذكاء الاصطناعي بالشفافية الكاملة بشأن تكاليف تطوير أنظمتها، ومعالجة خوارزميات التعلم الآلي، إلا أن النمو السريع للذكاء الاصطناعي والطلب المتزايد على معالجة البيانات يعني أن بصمته الكربونية من المرجح أن تتوسع ما لم يتم إجراء تغييرات كبيرة على كيفية تشغيل هذه التقنيات.
وتلك التحديات التي تواجه عمليات تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حتى وإن كانت لصالح جهود مواجهة التغير المناخي، فهي في الوقت ذاته تحد من مكاسب هذه التكنولوجيا الجديدة، بل وتجعلها سببًا في أضرار لا يمكن إصلاحها للبيئة وللجهود الرامية لمكافحة التغير المناخي.
أوضح التحليل إنه انطلاقًا من حقيقة مفادها أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيئة يجب أن تصطفا معًا، يعمل مبتكرو الذكاء الاصطناعي على الارتقاء إلى مستوى العديد من التحديات، وذلك في محاولة لموازنة الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في مجال معالجة التغير المناخي، مقابل التكاليف البيئية لتلك الابتكارات.
وذكر التحليل أن التحدي يكمن في تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحقيق الخير مع تقليل آثاره السلبية، فمن الضروري الاتجاه نحو دفع الذكاء الاصطناعي إلى الأمام بطريقة مسؤولة ومستدامة، حتى يكون قادرًا على خلق تأثير إيجابي دائم.
وأشار التحليل إلى ظهور العديد من المبادرات والأبحاث التي تتجه إلى دفع ذلك المسار قدمًا، وتقديم الحلول للعديد من المشكلات التي تواجه تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال أبحاث البيئة والمناخ، والعمل على تخفيف تأثير الذكاء الاصطناعي في المناخ، ومن بين أبرز تلك المبادرات والمقترحات:
-تحسين كفاءة استخدام الطاقة في مراكز البيانات باستخدام تقنيات التبريد المتقدمة والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، مع الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة على مدار الساعة.
-تقليل استهلاك الطاقة والتأثير البيئي إلى الحد الأدنى من خلال نقل تخزين البيانات ومعالجتها إلى مراكز البيانات التي تنفذ تبريدًا أكثر كفاءة في استخدام الطاقة ويتم تشغيلها بالطاقة المتجددة، ومن خلال تنفيذ إجراءات ضغط البيانات وإلغاء البيانات المكررة وأرشفة البيانات الخاملة.
-قيام قادة الذكاء الاصطناعي بتعزيز ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤولة بيئيًّا من خلال تثقيف الموظفين والشركاء والعملاء والجمهور حول التأثيرات البيئية للذكاء الاصطناعي.
-اختيار الموقع الأمثل لإنشاء مراكز البيانات؛ حيث تؤكد أبحاث شركة “جوجل” أن المواقع التي تحتوي على أنظف مصادر الطاقة يمكن أن تقلل من إجمالي البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 10 مرات.
-فوائد الذكاء الاصطناعي في معالجة أزمة المناخ سوف تظهر مع إدراج الاستدامة البيئية بشكل أعمق في قائمة أولويات الشركات، وذلك عن طريق استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحسين سلاسل التوريد لخفض الانبعاثات.
-تحديد واعتماد ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤولة بيئيًّا، مثل قياس مستويات استخدام الطاقة النموذجية، وتعديل قرارات تصميم نماذج البيانات؛ حيث من المتوقع تقلص البصمة الكربونية بمجرد أن تترسخ هذه الممارسات.
-يمكن أن يؤدي تحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي بحيث تتطلب طاقة حسابية أقل إلى تقليل البصمة الكربونية بشكل كبير.
-تعزيز الشفافية في الإبلاغ عن استخدام الذكاء الاصطناعي للطاقة والتأثيرات البيئية لذلك، حيث يعد هذا أمرًا ضروريًا للمساءلة والتحسين، ويمكن للتعاون بين صناع السياسات ومطوري الذكاء الاصطناعي وعلماء البيئة أن يضمن توافق تطوير الذكاء الاصطناعي مع أهداف الاستدامة.
-الإدارة السليمة للمخلفات الإلكترونية وإعادة تدويرها أمرًا ضروريًّا، للحد بشكل كبير من آثارها البيئية السلبية، ولضمان ذلك يلزم وجود قوانين أكثر صرامة وتطبيق فعال لممارسات التخلص الأخلاقية.
وأوضح التحليل في ختامه إن دمج الذكاء الاصطناعي في التخفيف من التغير المناخي والرصد البيئي للتكيف من تبعاته، يحقق العديد من الفوائد، فهو يعمل على تعزيز القدرات البشرية من خلال التعامل مع مهام معالجة البيانات واسعة النطاق، ومن ثم تعزيز عمليات صنع القرار، إضافة إلى تعزيز الاستخدام الفعال للموارد، وتحسين تخصيص الأموال والموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجيات التخفيف والتكيف.
شكرا لكم علي متابعة بوابة المعرفة سنستمر دائما في نشر الأخبار علي مدار الساعة